إهمال الطفل العربي- بين الاستهلاك الثقافي والتحريم الفني.
المؤلف: عبده خال09.23.2025

في غابر الأزمان، سطّرتُ مقالًا تحت عنوان "طفل خارج التربية"، مسلطًا الضوء على إهمالنا الجسيم لقضايا الطفولة. ابتدأتُ حديثي بالإشارة إلى ميلنا المحموم للتخلي عن مسائلنا الملحّة بأسرع ما يمكن؛ إذ نثيرها إعلاميًا بضجة، ثم سرعان ما ننساها في غياهب النسيان. لتأتي واقعة طارئة لتوقظ ذاكرتنا، فنعاود الكرة، مكررين نفس الأقوال والشكاوى. ومن بين هذه القضايا المتروكة والمهمَلة، تبرز قضية تربية الطفل. فالتربية لم تعد حكرًا على جدران المنزل، بل أصبحت تربية البيت والمدرسة والمسجد مجرد أجزاء متفرقة، لا تحدث تأثيرًا عميقًا في نفسية الطفل. بل وقد تراجع تأثيرها بشكل ملحوظ أمام السيل الجارف مما يُبث عبر الألعاب ووسائل التقنية الحديثة. فالطفل اليوم يتغذى ثقافيًا من خلال ألعابه ومسلسلاته وهاتفه المحمول أضعافًا مضاعفة مما يتلقاه من أدوات التربية التقليدية.
لقد شهدنا في الماضي معارك كلامية حادة شنّها بعض المشايخ على شخصيات كرتونية شهيرة مثل ميكي ماوس و"سبونج بوب". كانت تلك الحروب اللفظية بمثابة تبسيط مُخلّ بالمشكلة، وعجزًا واضحًا عن مجاراة ما يُبث للطفل. فضلًا عن العجز المهول عن إيجاد بدائل قيّمة. هذا الأمر يجعل أي منتقد للوضع أشبه بمن يحاول إيقاف تدفق المياه الجارية إلى مصبها. فنحن على مستوى النقد الكلامي أشدّاء وأكثر فصاحة من أي خطيب مفوّه.
فمنذ زمن بعيد ونحن نلوم برامج الأطفال وألعابهم وقصصهم، متذمرين من مضامينها. ونؤكد مرارًا وتكرارًا أنها قادمة من الغرب أو من الشرق المنحل، البعيدين كل البعد عن تعاليم الإسلام. وكأننا نود أن يكون العالم بأسره خادمًا لنا، حتى في نشر قيمنا ومبادئنا!
إنها الشكوى الدائمة التي نطلقها حيال أي منتج معرفي أو تقني قادم من الدول المنتجة. هذه الشكوى واللوم ظلا نوعًا من التباكي العاجز، ولم يبادر أي من المتباكين إلى بعث ومناقشة فكرة إنتاج احتياجات الأطفال المسلمين. فجزء من قصور إنتاج الأفلام أو الألعاب للأطفال المسلمين يرجع إلى تحريم الفنون من قبل البعض، الذين ظلوا متمسكين برأيهم في محاربة تلك الفنون، حتى مع التغيرات الجذرية التي طرأت على وسائل التربية والتواصل الإنساني والمؤثرات والوسائل المستخدمة في إرسال الأفكار.
هذا التحريم قد أبقى صناعة أفلام الأطفال وألعابهم حبيسة الدول الغربية، بل يتم استيرادها من قبل الدول الصناعية المعنية بتلبية احتياجات الأطفال الترفيهية. وأي منتج بالضرورة يعكس ثقافة مصنّعيه. وحين يأتي المستهلك (من أي مكان في العالم) فإنه يتعامل مع اللعبة أو الفيلم وفق عقلية وثقافة المنتج، وليس وفق ثقافته هو. فإن كان يرى فساد تلك الألعاب أو الأفلام، فلينتج ما يروق لطفله. والآن، ومع ثورة إنتاج الأفلام، علينا إعادة إحياء أهمية الاعتناء بالطفل وصناعة الأفلام والبرامج لأطفالنا. والعودة إلى لب القضية، علينا تبسيط الفكرة، فالمنتج العالمي يخدم أفكاره ومعتقداته، وهذه هي الفكرة ببساطة. فلماذا نثور حين تنتج لعبة تستهدف قيمنا أو رموزنا، بينما نحن لم نوجد البديل، ولم نسعَ إلى خلق صناعة أفلام الكرتون التي تؤثر في الطفل تأثيرًا بالغًا؟
نعم، إنها تؤثر بلا شك. فالثقافة الأقوى، بما تنتج من فنون وآداب، تبث أفكارها عبر منتجاتها. فجزء من القوة يكمن في سيطرة ثقافتك على الآخر. هذه هي الفكرة ببساطة. ومع ذلك، لا يزال البعض يخوض حربًا كلامية عقيمة حول أفلام الكرتون أو ألعاب الأطفال أو قصصهم، ولم يظهر أي منهم في أي برنامج ليطالب بإنتاج أفلام كرتون تحمل ثقافتنا لأطفالنا. بل على العكس، إن ظهر أحدهم سارع بالقول: حرام.. حرام..
فلماذا التباكي إذن ونحن لا نقدم شيئًا أكثر من الاستهلاك؟ القضية الأخطر هي مواصلة الاستهلاك في ظل التحريم؛ لأن في هذا جانبًا تربويًا عكسيًا يرسخ ما يتم استهلاكه، لا ما يسمعه الطفل من توجيهات ونصائح.
عفوًا، لقد انتهت تلك الفترة الزمنية المغلقة. وما دامت الأجواء مفتوحةً، والتشجيع على صناعة السينما حاضرًا، فإن ذلك يستوجب الالتفات الجاد لما يُنتج للطفل سينمائيًا وألعابًا.
لقد شهدنا في الماضي معارك كلامية حادة شنّها بعض المشايخ على شخصيات كرتونية شهيرة مثل ميكي ماوس و"سبونج بوب". كانت تلك الحروب اللفظية بمثابة تبسيط مُخلّ بالمشكلة، وعجزًا واضحًا عن مجاراة ما يُبث للطفل. فضلًا عن العجز المهول عن إيجاد بدائل قيّمة. هذا الأمر يجعل أي منتقد للوضع أشبه بمن يحاول إيقاف تدفق المياه الجارية إلى مصبها. فنحن على مستوى النقد الكلامي أشدّاء وأكثر فصاحة من أي خطيب مفوّه.
فمنذ زمن بعيد ونحن نلوم برامج الأطفال وألعابهم وقصصهم، متذمرين من مضامينها. ونؤكد مرارًا وتكرارًا أنها قادمة من الغرب أو من الشرق المنحل، البعيدين كل البعد عن تعاليم الإسلام. وكأننا نود أن يكون العالم بأسره خادمًا لنا، حتى في نشر قيمنا ومبادئنا!
إنها الشكوى الدائمة التي نطلقها حيال أي منتج معرفي أو تقني قادم من الدول المنتجة. هذه الشكوى واللوم ظلا نوعًا من التباكي العاجز، ولم يبادر أي من المتباكين إلى بعث ومناقشة فكرة إنتاج احتياجات الأطفال المسلمين. فجزء من قصور إنتاج الأفلام أو الألعاب للأطفال المسلمين يرجع إلى تحريم الفنون من قبل البعض، الذين ظلوا متمسكين برأيهم في محاربة تلك الفنون، حتى مع التغيرات الجذرية التي طرأت على وسائل التربية والتواصل الإنساني والمؤثرات والوسائل المستخدمة في إرسال الأفكار.
هذا التحريم قد أبقى صناعة أفلام الأطفال وألعابهم حبيسة الدول الغربية، بل يتم استيرادها من قبل الدول الصناعية المعنية بتلبية احتياجات الأطفال الترفيهية. وأي منتج بالضرورة يعكس ثقافة مصنّعيه. وحين يأتي المستهلك (من أي مكان في العالم) فإنه يتعامل مع اللعبة أو الفيلم وفق عقلية وثقافة المنتج، وليس وفق ثقافته هو. فإن كان يرى فساد تلك الألعاب أو الأفلام، فلينتج ما يروق لطفله. والآن، ومع ثورة إنتاج الأفلام، علينا إعادة إحياء أهمية الاعتناء بالطفل وصناعة الأفلام والبرامج لأطفالنا. والعودة إلى لب القضية، علينا تبسيط الفكرة، فالمنتج العالمي يخدم أفكاره ومعتقداته، وهذه هي الفكرة ببساطة. فلماذا نثور حين تنتج لعبة تستهدف قيمنا أو رموزنا، بينما نحن لم نوجد البديل، ولم نسعَ إلى خلق صناعة أفلام الكرتون التي تؤثر في الطفل تأثيرًا بالغًا؟
نعم، إنها تؤثر بلا شك. فالثقافة الأقوى، بما تنتج من فنون وآداب، تبث أفكارها عبر منتجاتها. فجزء من القوة يكمن في سيطرة ثقافتك على الآخر. هذه هي الفكرة ببساطة. ومع ذلك، لا يزال البعض يخوض حربًا كلامية عقيمة حول أفلام الكرتون أو ألعاب الأطفال أو قصصهم، ولم يظهر أي منهم في أي برنامج ليطالب بإنتاج أفلام كرتون تحمل ثقافتنا لأطفالنا. بل على العكس، إن ظهر أحدهم سارع بالقول: حرام.. حرام..
فلماذا التباكي إذن ونحن لا نقدم شيئًا أكثر من الاستهلاك؟ القضية الأخطر هي مواصلة الاستهلاك في ظل التحريم؛ لأن في هذا جانبًا تربويًا عكسيًا يرسخ ما يتم استهلاكه، لا ما يسمعه الطفل من توجيهات ونصائح.
عفوًا، لقد انتهت تلك الفترة الزمنية المغلقة. وما دامت الأجواء مفتوحةً، والتشجيع على صناعة السينما حاضرًا، فإن ذلك يستوجب الالتفات الجاد لما يُنتج للطفل سينمائيًا وألعابًا.